شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع
عن سعيد بن المسيب اسم> عن أبيه قال: رسم> لما حضرت أبا طالب اسم> الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجد عنده أبا جهل اسم> وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة اسم> فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله. فقال أبو جهل اسم> وعبد الله بن أبي أمية اسم> يا أبا طالب اسم> أترغب عن ملة عبد المطلب اسم> ؟! فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب اسم> آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب اسم> وأَبَى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك. فأنزل الله عز وجل: رسم> مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ قرآن> رسم> وأنزل الله تعالى في أبي طالب اسم> فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رسم> إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ قرآن> رسم> متن_ح> رسم> .
هذه قصة فيها فضل لا إله إلا الله، أبو طالب اسم> هو عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو والد علي بن أبي طالب اسم> وجعفر بن أبي طالب اسم> كان ممن تمسك بدينه دين آبائه الذي هو عبادة الأصنام، وكان على دين قريش، وكان شريفا سيدا مطاعا في قومه، له مكانته وله شرفه، ولما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الإسلام ودعا إلى التوحيد وبدأ بدعوته لم يستجب لدعوته؛ لِمَا في ذلك من الحكمة، سَخَّرَه الله تعالى لحماية النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش، من أذى قومه، وبذلك بقي على دين قومه؛ فلم يتجرءوا على إيصال الأذى إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه في حماية عمه وفي جواره وفي كنفه يذب عنه ويحميه ويتمسك بحمايته وإن كانت حماية لأجل القرابة ولأجل التعصب.
ولما مرض وحضرته الوفاة وتُحقق بأنه سوف يموت جاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن وجد عنده اثنين من الكفار من بني مخزوم، ويمكن أن الراوي الذي هو المسيب اسم> والد سعيد اسم> كان معهما أيضا، فقرب احتضاره لقنه لا إله إلا الله، رسم> يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله متن_ح> رسم> وفي رواية: رسم> أحاج لك متن_ح> رسم> يعني: أحتج بها عند الله حتى أشفع لك وحتى تدخل الجنة، لمَّا طلب منه ذلك كان جلساء السوء حاضرين، فلقناه الحجة الشيطانية التي هي تقليد الآباء والأجداد وقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب اسم> ؟! والدك، والدك الذي رباك، والذي كان سيدا مطاعا في قومه، أترغب عن ملته وتكون على ملة لا تدري ما هي، وتنتقد أباك وتعترض على ديانته بجعلك الإله إلها واحدا ونبذك للآلهة الكثيرة التي يعبدها أبوك وأجدادك؟!
النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يكرر عليه، ويكرران أيضا أبو جهل اسم> وابن أبي أمية اسم> حتى خُتم له بخاتمة سيئة، كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب اسم> يعني: تمسك بها وأبى وامتنع أن يقول: لا إله إلا الله.
لا شك أن كلمة لا إله إلا الله يعرفون مدلولها، يعرفون أنها تقتضي الإخلاص لوجه الله، وطاعته وحده، وترك عبادة ما سواه؛ لأنه لمَّا قال لهم: قولوا لا إله إلا الله، قالوا: رسم> أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا قرآن> رسم> أجعل الآلهة إلها واحدا؟! يعني: آلهتنا كثيرة فإذا قلنا: لا إله إلا الله، فمعنى ذلك أنه لا إله لنا نألهه إلا الله إله واحد ولذلك قال تعالى: رسم> إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا قرآن> رسم> معبوداتنا التي نألفها رسم> أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُون قرآن> رسم> فكانوا يقولون: رسم> امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ قرآن> رسم> على عبادتها، فهذا دليل على أنه لو قال: لا إله إلا الله لنفعته؛ وذلك لأنه يعرف ما تدل عليه، يعرف أنه إذا قالها اقتضى ذلك إبطال كل الآلهة التي يألهها: اللات إله، والعزى إله، وهبل إله، وإساف إله، ونائلة إله، والأصنام التي في الحرم آلهة كثيرة، فيبطل هذه الآلهة مع كونهم كانوا يفتخرون بها فلذلك لما امتنع من قولها عُرف بأنه خُتم له بخاتمة سيئة.
فالحاصل أن هذا دليل على أن لا إله إلا الله من قالها نفعته إذا عمل بها، وأبطل كل المألوهات التي يألهها وأخلص التأله والتعبد لله وحده، ودليل على أن أبا طالب اسم> ختم له بهذه الخاتمة وأنه لم يكن مؤمنا، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أنه يكون رسم> في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه متن_ح> رسم> يعني: من شدة عذاب النار، فهذا يعني دليل على أن لا إله إلا الله تنفع قائلها إذا أبطل الآلهة التي كان يألهها، وأله الرب سبحانه وحده.
لما خُتم له بهذه الخاتمة قال صلى الله عليه وسلم: رسم> لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك متن_ح> رسم> وما ذاك إلا أنه كان ينصر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحتويه وكان يذب عنه، فأراد أن يستغفر له، فنهى الله تعالى عن ذلك بقوله: رسم> مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى قرآن> رسم> ولو كانوا آباءهم وأعمامهم وأقاربهم رسم> مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ قرآن> رسم> وعده بقوله: رسم> لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ قرآن> رسم> رسم> سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي قرآن> رسم> وقال: رسم> وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ قرآن> رسم> ولكن بعد ذلك بعد ما علم أنه رد رسالته تبرأ منه، قال الله تعالى: رسم> وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ قرآن> رسم> رسم> فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ قرآن> رسم> .
أنزل الله أيضا في أبي طالب اسم> قوله: رسم> إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ قرآن> رسم> فأحب الناس إليك عمك وما استطعت أن تهديه ولكن الله تعالى هو الهادي، والمراد هاهنا هداية الإلهام، أي: لا تهدي هداية إلهام وهداية توفيق، لا يهدي إلا الله ذلك، وأما هداية الدلالة فإنه يستطيع أن يهدي يعني: يدل الناس على طرق الخير.
مسألة>